الوحدة التكوينية "التأطير والمواكبة"
مقدمة
تُعد وحدة "التأطير
والمواكبة" مكوناً أساسياً ضمن البرنامج التكويني الخاص بالإدماج في إطار
مفتش في التوجيه التربوي، حيث تهدف إلى تزويد المستفيدين بالكفايات اللازمة لتأطير
ومواكبة الفئات المعنية وفقاً للنصوص القانونية، وتنفيذ برامج عمل تتناسب مع الحاجيات
التأطيرية وتوثيق النتائج، وقد ركزت هذه الوحدة على بناء فهم عميق لمفاهيم التأطير
والمواكبة ونماذجها النظرية، مدعمةً المعارف بأنشطة تطبيقية وورشات عمل مكثفة
لتنمية المهارات العملية في هذا المجال الحيوي. أهداف التكوين في التأطير
والمواكبة.
مفاهيم ومقاربات في التأطير والمواكبة
تم خلال هذه الوحدة تدقيق مفاهيمي
لكل من "التأطير" و"المواكبة":
- التأطير (Encadrer): يعني وضع إطار حول شيء أو
شخص، ويشير إلى مجموعة من القواعد، المعايير، القيم، المرجعيات، النصوص
القانونية، والقواعد المهنية التي تحدد نطاق العمل. يشمل التأطير ممارسات
توجيه ودعم المتدرب في تطوره الشخصي والاجتماعي والمهني. يتسم التأطير بعلاقة
عمودية تتضمن الرقابة والمعايير والتراتبية، ويهدف المؤطر إلى وضع الأطر
الزمنية والمكانية وتحديد المسؤوليات والمهام.
- المواكبة (Accompagner): لا تعني أن تسبق شخصاً أو
تفرض عليه مساراً، بل أن تسير إلى جانبه وتتركه حراً في اختيار طريقه
ووتيرته. هي مقاربة تهدف إلى تمكين الشخص وتحقيق استقلاليته ومهنيته. تتسم
المواكبة بعلاقة أفقية تتضمن الدعم، الإرشاد، الوساطة، التقاسم، والتعاون.
كما تم استعراض النماذج النظرية
التي تؤطر التأطير والمواكبة:
- النماذج المعرفية:
تركز على طرق معالجة الأفراد للمعلومات، الإدراك، الانتباه، الذاكرة، حل
المشكلات واتخاذ القرار.
- النماذج
السوسيوبنائية: تركز على التفاعل الاجتماعي
وبناء المعرفة من خلال التفاعلات الاجتماعية والثقافية.
- النماذج
السيكودينامية: تستمد من نظريات التحليل
النفسي، وتركز على مفاهيم اللاوعي، آليات الدفاع، والديناميات البينشخصية.
وتتضمن وظائف التأطير والمواكبة
الرئيسية: التحفيز، التكوين وتطوير المهارات، تدبير القلق المهني، تدبير التغيير،
وتجديد الممارسات المهنية. هذه الوظائف تهدف إلى مواكبة سيرورة المهننة، تحقيق
الاستقلالية المهنية، تأمل الممارسة المهنية، وتيسير إنماء الكفايات الجماعية.
الجوانب التطبيقية وأدوات العمل
شملت الوحدة جوانب تطبيقية هامة
لتمكين المستفيدين من أدوات التأطير والمواكبة:
- أدوات معرفة الوسط
المهني:
- التشخيص
التنظيمي للمؤسسة: منهج للتحليل وأداة
للتدبير تقيس الفارق بين استراتيجية المؤسسة وتنظيم العمل وثقافتها. يشمل
تشخيص البنية التنظيمية، السيرورات والمساطر، وقيم وثقافة المؤسسة. من
أدواته تحليل SEPO
(نقاط القوة، الضعف، الفرص، العوائق) وتحليل ثقافة المؤسسة.
- أدوات رصد حاجيات
التأطير والمواكبة:
- مفهوم
الحاجة: يشير إلى نقص أو فجوة بين الوضع الحالي
والوضع المرغوب. رصد الحاجيات هي عملية تربوية وإدارية تهدف إلى تحديد
أولويات التأطير لتعزيز المعارف والمهارات.
- أصناف
الحاجيات: مؤسساتية وفردية حسب المصدر،
واستراتيجية وإجرائية حسب الأهمية.
- أدوات
الرصد: الاستمارة (أداة فردية فعالة في فترات
التغيير) ، المقابلة المهنية (لتحديد الكفايات وانتظارات الفاعلين) ،
ومجموعات النقاش (ورشات عمل جماعية لتقاسم الحاجيات).
- تحليل الممارسات
المهنية:
- الممارسة
التبصرية (Pensée réflexive): عملية بحث واستقصاء لتهذيب
مهنة الفرد، وتحديد أوجه التناغم والانسجام في الممارسات الناجحة.
- ورشات
تحليل الممارسات المهنية (APP): أنشطة منظمة في إطار
التكوين المهني لـ "بناء المعنى المشترك للممارسات" أو تحسين
التقنيات. تتطلب عدداً محدوداً من المشاركين وانخراطاً طوعياً، حرية التعبير،
وتنشيطاً لا توجيهياً. تهدف هذه الورشات إلى تنمية كفايات مثل الانصات
والتواصل، تحليل الوضعيات المعقدة، تعميق المهننة، وتعزيز الاندماج المهني.
- هندسة التكوين:
تشمل تحليل الحاجيات، تصميم المشروع التكويني، التنسيق والمراقبة، وتقييم
الأثر. بينما تركز الهندسة البيداغوجية على وضع الجهاز التكويني المناسب
لجمهور معين وتحقيق الأهداف البيداغوجية، متبعة نموذج ADDIE (تحليل، تصميم، تطوير، تنفيذ، تقييم).
- برنامج التأطير
والمواكبة: عملية تخطيط لما يجب القيام به، ومتى
ومن سيقوم به، وما هي الموارد اللازمة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية.
توظيف مكتسبات وحدة التأطير
والمواكبة في الممارسة المهنية للمفتش في التوجيه التربوي:
يضطلع المفتش في التوجيه التربوي
بدور جوهري في تفعيل مكتسبات هذه الوحدة. ويتجلى ذلك في المحاور التالية:
- تأطير ومواكبة الفئات
المعنية: يصبح المفتش قادراً على تطبيق مفهومي
التأطير والمواكبة في عمله، سواء من خلال وضع أطر عمل واضحة أو من خلال السير
إلى جانب الفاعلين ودعم استقلاليتهم المهنية.
- تنفيذ برامج عمل حسب
الحاجيات التأطيرية: يتمكن المفتش من رصد
الحاجيات التأطيرية للمؤسسات والفاعلين باستخدام الأدوات المناسبة (كشبكة
تحليل النشاط والاستمارات والمقابلات)، وبناءً عليها يضع برامج عمل متكاملة
وشاملة.
- توثيق نتائج التدخلات
التأطيرية: تُعزز قدرة المفتش على توثيق وتحليل
نتائج مبادرات التأطير، مما يساهم في تقييم فعاليتها وتطويرها المستمر.
- قيادة التغيير وتجديد
الممارسات المهنية: من خلال تملكه لوظائف
التأطير (مثل تدبير القلق المهني وتدبير التغيير وتجديد الممارسات المهنية)،
يصبح المفتش عاملاً حيوياً في دعم المؤسسات التعليمية على التكيف مع
المستجدات التربوية.
- تحليل الممارسات المهنية وتنمية الكفايات: يمكن للمفتش تنظيم ورشات تحليل الممارسات المهنية للمساهمة في تنمية كفايات الانصات، تحليل الوضعيات المعقدة، تعميق المهننة، وتعزيز الاندماج المهني للفاعلين التربويين.
جوانب القوة المكتسبة:
- إلمام نظري وعملي شامل
بمفاهيم التأطير والمواكبة ووظائفها الأساسية.
- اكتساب مجموعة متنوعة من
الأدوات لرصد الحاجيات، وتشخيص الوسط المهني، وتحليل الممارسات المهنية.
- فهم معمق لمنهجيات بناء
وتصميم برامج التأطير والمواكبة.
- صقل مهارات توثيق وتقييم التدخلات التأطيرية.
التحديات المتوقعة عند تطبيق
المهارات ميدانياً:
- مقاومة بعض الفاعلين للتأطير
أو المواكبة، خاصة إذا لم يتم بناء الثقة الكافية أو تبيان الأثر الإيجابي
لتدخل المفتش.
- صعوبة رصد جميع الحاجيات
التأطيرية بدقة في بيئات معقدة ومتغيرة باستمرار.
- الحاجة إلى موارد (زمنية،
مالية، بشرية) كافية لتنفيذ برامج تأطير ومواكبة فعالة على المدى الطويل.
- ضمان استمرارية أثر التدخلات
التأطيرية بعد انتهاء الدعم المباشر.
مسارات التطوير المهني المنشودة
في مجال التأطير والمواكبة:
- الالتزام بالبحث والاطلاع
الدائم على أحدث الممارسات والنماذج في مجالات التأطير، المواكبة، والقيادة
التربوية.
- الانخراط الفاعل في شبكات
مهنية لتبادل الخبرات مع الزملاء المفتشين والخبراء في التأطير.
- تطوير كفايات في استخدام
التكنولوجيا الحديثة لدعم عمليات التأطير والمواكبة عن بعد وتوثيقها.
- المساهمة في إعداد دلائل
وموارد عملية لدعم الفاعلين التربويين في تطوير ممارساتهم المهنية بناءً على
مبادئ التأطير والمواكبة.
خلاصة:
تمثل وحدة "التأطير
والمواكبة" ركيزة أساسية في صقل كفايات المفتش في التوجيه التربوي. إنها
تسلحه بالزاد المعرفي والمهاري الضروري للاضطلاع بدوره كعنصر فاعل في ضمان جودة
النظام التربوي والتعليمي، والارتقاء المستمر بأداء المؤسسات التعليمية. فالقدرة على
فهم وظائف التأطير والمواكبة، وتملك أدواتها، وتنفيذ برامج عمل فعالة، تُعد كفايات
محورية تمكّن المفتش من المساهمة بفعالية في تحقيق غايات الإصلاح التربوي المنشود.
وهذا من شأنه أن يجعل المؤسسة التعليمية بيئة محفزة للتعلم المتواصل والتطور
الدائم، قادرة على مجابهة التحديات الراهنة والمستقبلية، وتلبية تطلعات المجتمع
التربوي وانتظاراته.
تعليقات
إرسال تعليق