جيميني ومحاط بالحمقى: هل تفهم الآلة لغات البشر أكثر من البشر أنفسهم؟
في عالم تتسارع فيه وتيرة التغيير، وتتعقد فيه العلاقات، يظهر سؤال جديد
يطرح نفسه بقوة: هل ستفهم الآلة البشر بشكل أفضل من البشر أنفسهم؟ هذا التساؤل
يتبادر إلى الذهن عند مقارنة إعلان جوجل عن دمج نموذجها الذكي "جيميني"
في متصفح كروم، مع الأفكار التي طرحها توماس إريكسون في كتابه الشهير "محاط
بالحمقى".
جوجل جيميني ليس مجرد أداة بحث، بل هو تطور هائل نحو ما يُسمى
بـ"الوكلاء الأذكياء" (Agentic AI) القادرين على فهم المهام المعقدة وتنفيذها. هذا الذكاء الاصطناعي لا يكتفي
بإعطائك إجابة، بل يفهم سياق سؤالك، يربط بين بياناتك من تقويمك وخرائطك، ويلخص لك
محتوى عدة صفحات بأسلوب متناغم. إنه يتعلم لغة البشر ويفهمها بمنطقية فائقة.
في المقابل، يأتي كتاب "محاط بالحمقى" ليذكرنا بأننا، كبشر،
غالبًا ما نجد صعوبة في فهم بعضنا البعض. نحن نلجأ إلى تصنيف الآخرين بالحمق أو
الغباء لمجرد أنهم يتصرفون بطريقة مختلفة عنّا. فالشخصية الحمراء الصريحة قد تبدو
لنا وقحة، والشخصية الزرقاء التي تركز على التفاصيل قد تبدو مملة، بينما الشخصية
الصفراء المتحمسة قد تبدو سطحية. يفسر الكتاب هذه الاختلافات بأنها أنماط سلوكية
طبيعية، وليست عيوبًا.
هنا يكمن المفارقة: بينما تعمل شركات التكنولوجيا على بناء نماذج ذكاء
اصطناعي يمكنها فهم تعقيدات اللغة البشرية، بما في ذلك التناقضات والفروقات
الدقيقة، لا يزال الكثير من البشر غير قادرين على فهم أبسط الفروقات في أنماط
شخصيات من حولهم.
دمج جيميني في كروم يمثل قفزة نوعية نحو بناء جسر بين الإنسان والآلة. إنه يهدف إلى تسهيل حياتنا من خلال فهم نوايانا بشكل أعمق. لكن هذا التطور يطرح علينا تحديًا أكبر: هل يمكننا أن نستخدم هذا الفهم التكنولوجي كمرآة تعكس لنا ضعفنا في الفهم الإنساني؟
قد لا يكون الذكاء الاصطناعي "أكثر ذكاءً" من البشر في كل شيء،
لكنه قد يكون "أكثر منطقية" في فهم الاختلافات. في النهاية، يمكننا أن
نتعلم من هذه التكنولوجيا كيف نتعامل مع الآخرين بشكل أكثر فعالية. عندما تفهم أن
شخصاً ما يتصرف بطريقة معينة ليس لأنه "أحمق"، بل لأنه ينتمي إلى نمط
شخصية مختلف، فإنك تبدأ في بناء جسور التواصل بدلاً من حواجز سوء الفهم.
لذا، ففي الوقت الذي تستمتع فيه بقوة جيميني الجديدة، لا تنسَ أن تعود إلى
عالمك البشري وتحاول فهم ألوانه المختلفة. فقبل أن تتمكن الآلة من فهمك تماماً،
عليك أن تبدأ بفهم من يحيطون بك.
·
" "جيميني ومحاط
بالحمقى": هذه استعارة قوية. "جيميني" هنا يرمز إلى
الذكاء الاصطناعي المتقدم (مثل نموذج لغوي كبير)، و"الحمقى" قد يرمزون
إلى البشر الذين لا يفهمون بعضهم البعض جيدًا، أو الذين يقعون فريسة لسوء الفهم
والتأويلات الخاطئة، أو حتى الذين يرفضون التكيف مع التغيرات.
·
"هل تفهم الآلة
لغات البشر أكثر من البشر أنفسهم؟" هذا هو مربط الفرس.
o من
زاوية تقنية: نماذج الذكاء الاصطناعي (LLMs) مثل جيميني مصممة خصيصًا
"لفهم" (بمعنى معالجة وتحليل) كميات هائلة من النصوص واللغات البشرية،
وتحديد الأنماط، وتوليد استجابات متماسكة ومنطقية. يمكنها التعرف على الفروق
الدقيقة في الكلمات، السياق، وحتى الأساليب اللغوية بشكل لم يسبق له مثيل. بهذا المعنى،
قد "تفهم" الجوانب التركيبية والدلالية للغة بشكل أكثر شمولاً من أي
إنسان بمفرده.
o من
زاوية بشرية: ومع ذلك، فإن "الفهم" البشري يتجاوز مجرد تحليل
اللغة. إنه يتضمن العاطفة، النية الحقيقية، السياق الاجتماعي والثقافي العميق،
الخبرة الحياتية، وحتى قراءة ما بين السطور أو لغة الجسد (التي لا يمكن للآلة
الوصول إليها بشكل مباشر في النص). البشر غالبًا ما يفشلون في التواصل ليس لعدم
فهم الكلمات، بل لعدم فهم الدوافع، المشاعر، أو وجهات النظر المختلفة. الآلة لا
تزال تفتقر إلى هذا العمق الوجودي والعاطفي.
الخلاصة: يمكن للآلة أن
"تفهم" (تُعالج وتُحلل) تعقيدات اللغة البشرية وقواعدها وأنماطها على
نطاق واسع يفوق قدرة البشر. لكنها لا تستطيع "فهم" التجربة الإنسانية،
العواطف، والدوافع الكامنة التي تشكل جوهر التواصل البشري. البشر غالبًا ما
"يفهمون" الكلمات ولكنهم يفشلون في "فهم" بعضهم البعض على
مستوى أعمق وأكثر إنسانية.
لذا، قد يكون
الذكاء الاصطناعي أفضل في معالجة اللغات، بينما البشر (حينما يكونون في
أفضل حالاتهم) أفضل في فهم بعضهم البعض.
تعليقات
إرسال تعليق